1-
تعريف
المنظور أسلوب يستخدمه الرسّامون ليُضفُوا على رسوماتهم الإيهام بالعمق والبعد؛ فعندما يرى المشاهد صورة استُخدم فيها هذا الأسلوب، فإنه يأخذ انطباعا بأنه ينظر من خلال نافذة يمثل الإطار فيها جوانب الصورة، ويبدو له أن المنظر يتراجع في البعد من نقطة ثابتة تقع عند الجانب القريب من المشاهد عند النافذة .
وهناك ضربان رئيسيان من المنظور في الفن الغربي هما: المنظور الهوائي والمنظور الخطي. وعلى الرغم من أن بعض الحضارات قد طورت أنماطًا من الرسم المنظوري ـ كالصينيين والهنود مثلاً ـ إلاَّ أن الأنماط الشرقية في مُجملها لا تُعطي التأثير الواقعي كالذي توحي به الأساليب الغربية.
قواعد المنظـور
غن مشكلة المنظور هي من أهم المشكلات التي تواجه الرسم إذ فيها يتمثل فت إعطاء الرسوم عمقاً وبعداً وواقعية ويضفي حساسية تساعد على تقدير العمق .
وقبل الشروع في تطبيق المنظور يجب معرفة النقاط التالية والتي تعتبر من قواعد المنظور
1- اللوحـة: شبها ليوناردو دافنشي بلوح زجاجي بين العين الناظرة والأشياء المرئية التي نريد رسمها وهنا لا بد الإشارة إلى تحرك اللوحة موازية لنفسها مع تثبيت العين.
2- خط الأفق: ويمكن ملاحظته على جميع الصور (المناظر والأشخاص)، والمواضيع المعزولة (الطاولة والكراسي والمصابيح).
3- العين الناظرة: تعتبر في دراسة المنظور أن العين الناظرة واتجاه النظر ثابتان الرؤيا الواضحة للمنظور تقتضي أن يقع الجسم داخل مخروط النظر وبذا يكون الجسم على بعد مرة ونصف من أكبر أبعاده أما التمادي في هذا البعد قربا يؤدي إلى تسوية المنظور وخاصة في أطرافه.
4- نقطة النظر: وتوجد على خط الأفق في مركز زاوية رؤية المشاهد ومقابلة له بالنسبة للنظر الأفقي زاوية النظر تساوي (37 0).
5- نقاط التلاشي: كل الخطوط العمودية تتلاشى في نقطة واحدة ونقاط التلاشي ضرورية لتكوين وتشكيل كل رسم منظوري وتسمح بوضع المواضيع في أماكنها.
المنظور المائل
وهو منظور يتشكل من نقطتين، وذا تركنا الأشكال كما هي ونظرنا إليها من إحدى الجانبين نلاحظ ان الخطوط الشاقولية تبقى كما هي موازية لبعضها البعض وتتشكل نقطتين لتتلاشي الأولى على اليمين والثانية على اليسار وهما على خط أفق ومجموعتين من الخطوط والمجموعة تتجه لنقطة واحدة. وهذا المنظور من الأنواع المستعملة في الغالب لأنه الأسهل والمدق في نفس الوقت
أ) المنظور الهوائي
يرتكز على حقيقة مفادها أن كلاَّ من الضوء، والظل ، واللون، يتغير وفقا لبعد الجسم عن نقطة المشاهدة؛ فعلى سبيل المثال، نجد أن الأشياء البعيدة تبدو أكثر ضبابية، وغير واضحة المعالم فيما يختص بخطوطها الخارجية، على عكس الأشياء التي تُشَاهَد عن قرب. كما أن
لون السماء يتغيّر أيضًا من الأزرق الشديد الزرقة فوق الرأس مباشرة، إلى اللون الأزرق الفاتح الذي يزداد إشراقًا كلَّما اقترب من الأفق. ويقوم الفنّان بإحداث المنظور الهوائي عن طريق تغيير درجات اللون، وقوة خطوط الصورة، ووضوح هذه الخطوط.
ب) المنظور الخطي
المنظور الخطي بجعل الأشياء البعيدة أصغر حجمًا ورسمها قريبة من بعضها. يوضح الرسم نقطة التلاشي، النقطة التي تتلاقى فيها الخطوط المتوازية في نقطة بعيدة.
أسلوب يُسْتَغَل لإبراز كل من البعد والعمق من خلال شكل الأجسام وحجمها وموقعها. ويعتمد المنظور الخطي على الخِداع البصري الذي يُوهِم بأن الخطوط المتوازية تبدو وكأنَّها تتقارب كلما تراجعت صوب نقطة التلاشي. وهذه النقطة تمثل الموضع الذي يتراءى للمشاهد أن الخطوط المتوازية تلتقي عنده في الأفق. كما يعطي المنظور الخطي الإيهام بالعمق؛ وذلك بجعل الأجسام الأكثر بُعدًا أصغر وأقرب لبعضها بعضًا.
2- أهم فنانيه
أول من أدرك قاعدة الرسم المنظوري بنوعيه هم الفنانون الإغريق والرومان. لكننا نجد أن هذين الأسلوبين قد هُجرا خلال العصور الوسطى التي بدأت خلال القرن الخامس الميلادي. وأعيد العمل بالرسم المنظوري خلال عصر النهضة الذي بدأ في إيطاليا إبان القرن الرابع عشر الميلادي.
مناولة الطفل زال إلى والده. رسمها فنان فارسي غير معروف منتصف القرن السادس عشر بالألوان المائية على الورق. 31x45سم.
بلغ الاهتمام بالرسم المنظوري أوجه في رسم اللوحات الزيتية التي رُسمت في عصر النهضة في القرنين الخامس عشر والسادس عشر الميلاديين. ففي حوالي عام 1425م، رسم المعماري البريطاني فيليبو برونلسكي صورتين لمدينة فلورنسا، استخدم فيهما المعادلات الرياضية لإحداث المنظور. وقد كان لإنجازه هذا وقْعٌ كبير على فناني عصر النهضة الذين فُتِنوا به، ومن ثم شُغِفوا باستخدام المنَظور لتحقيق قدر من الواقعية عند تصوير الفضاء والمسافات. وألَّف معماري إيطالي آخر يُدعى ليون باتيستا ألبرتي كتابًا أسماه التصوير التشكيلي؛ عام 1435م، وكانت هذه أول دراسة علمية للمنظور. كما عرض الفنان والعالم الإيطالي ليوناردو دا فينشي كثيرًا من التجارب التي تحرّت عن كيفية رؤية العين للأشياء من على مسافة بعيدة.
3- رفائيل (1483 - 1520م)
أحد أهم فناني عصر النهضة في إيطاليا، وقد أثَّرت طريقته الفنية وأشكاله الرشيقة، وتكويناته الماهرة على الفنانين منذ عصره وحتى بداية القرن العشرين.
كان والد رفائيل فنانًا اختاره دوق أوربينو ليكون فنانًا للبلاط. وأرسل والد رفائيل ابنه، ليتتلمذ على يد الفنان بيروجينو الذي تأثر به رفائيل كثيرًا. كما تأثر في فترة دراسته بأسلوب ليوناردو دافينشي كذلك.
دعاه البابا يوليوس الثاني عام 1508م ليسهم في تجميل روما باللوحات والأعمال النحتية والمعمارية. فظل يعمل هناك وأنتج أجمل أعماله الفنية في تلك الفترة التي قضاها في روما.
وأشهر أعمال رفائيل هي مجموعة من اللوحات الجصية الجدارية التي عملها للبابا وفيها تتجلى مقدرته المتميزة على إدخال الملامح المعمارية في تكويناته التشكيلية. وكانت لوحاته هذه تملأ الجدران الأربعة للغرف. ومن ابتكاراته أنه كان يستغل الأقواس الموجودة في المباني لتكون إطارات للوحاته الكبيرة. ومن سمات أعماله الفنية أنها كانت واضحة وفيها تناسب وتناسق، ومقدرة على تصوير الأبعاد والفراغ، كما كانت توضح المنظور بشكل ملحوظ.
لم يقتصر فن رفائيل على التصوير، بل كان معماريًا بارعًا مثل زملائه الذين كوَّن معهم الفترة الذهبية لعصر النهضة في إيطاليا.